هل يا ترى الغناء مباح؟

[متعب البحيري]

	لا يخفى علينا جميعاً مقوفنا إزاء الأغاني والطرب، فما أن نبدي تساؤلاً حول حكم الأغاني إلا وقام الكل مجتمعين على كلمة واحدة وهي بأن الأغاني محرمة. وفي هذا التسرع من العبر ما فيه، إذ أن التحريم والتحليل ليس لنا منه شيئاً، فالأمر لله عز وجل ورسوله وللصحابته والتابعين والعلماء المجتهدين من بعدهم. والناظر بعين الفحص لموقف علماء اهل السنة والجماعة تجاه الأغاني يجد أن موقفهم خلافي، فمنهم من يقضي بتحريمه ومنهم من يرى إباحته. فاتفقوا جميعاً على تحريم كل غناء يشمل فحش وفسق واتفقوا في المقابل على إباحة ما عدا ذلك. ولم يكن اختلافهم اختلافاً يسيراً بل أن هذا الاختلاف قد آل إلى أن بعضهم قد أجاز كل غناء بآلة موسيقية أو بغيرها، بل أن بعضهم رأى استحبابه. وقد أشار القرضاوي في فتوى له بأن الغناء في ذاته مباح، بناء على أن الأصل في الأشياء الأباحة ما لم يرد نص صحيح بحرمتها. وما يتعلق بالآية الكريمة "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" أجاب القرضاوي قائلاً بأن على الرغم من أن بعض الصحابة قد استدلوا بها على حرمة الغناء إلا أن الإمام ابن حزم في المحلى رد بأن لا حجة في هذا لأسباب: السبب الأول: هو أن لا حجة لأحد من الخلق عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. السبب الثاني: أن هناك من الصحابة والتابعين من خالفهم هذا الرأي والسبب الثالث: أن نص الآية يناقض احتاجهم، فالآية تقول "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا." فقال القرضاوي " وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، ولو أن امرءاً اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذمه الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به، ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى. وكذلك من اشتغل عن الصلاة عامًدا بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو بغناء أو بغير ذلك فهذا فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن." وفي رد من القرضاوي على من يستشهد بالآية الكريمة التي تقول "وإذا سمعوا اللغو أعرضواعنه"، أفاد بأن الاستدلال بها على حرمة الغناء غير سليم، لأن المقصود باللغو في الآيه السب والشتم ونحوه. والدليل على هذا تكملة الآية فهي تقول "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" فذكر بأنها أقرب ما تكون من الآية التي تقول "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" فلو كان اللغو في الآيه يقصد به الغناء، لكانت الآية تندب إلى الإعراض عنه وليس هناك ما يوجب ذلك. كما ذكر ايضاً بأن اللغو ككلمة الباطل التي تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقاً أو يشغل عن واجب. واستشهد القرضاوى بابن جريح الذين كان يرخص في السماع، عندما قيل له: أيؤتى به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات، لأنه شبيه باللغو وقد قال تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" أما بخصوص الأحاديث الواردة في تحريمه فهي موضوعة لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معاً. وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه "الأحكام":لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع. وذكر القرضاوي قائلاً "وإذا سقطت أدلة التحريم بقي الغناء على الإباحة الأصلية، فكيف وقد جاءت نصوص ثابتة تفيد حل الغناء. نكتفي منها بما ورد في الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي في بيت عائشة وعندها جاريتان تغنيان فانتهرهما أبو بكر وقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي عليه السلام: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) ولم يرد ما ينهى عن الغناء في غير العيد، وإنما المعنى أن العيد من المواطن التي يستحب فيها إظهار السرور بالغناء وغيره من اللهو البريء . ورغم كل هذا إلا أن الشيخ القرضاوي قد قيد سماع الأغاني بقيود وهي كالتالي: ( أ ) فلابد أن يكون موضوع الأغنية مما يتفق وتعاليم الإسلام وآدابه.. فالأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة و كأس" مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب "الكأس" وعاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والأغنية التي تمجد صاحب "صاحبة العيون الجريئة" أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)..ويقول رسول الله: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وعليك الثانية) وهكذا .. (ب) ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به، ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في آدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة -ينقل الأغنية من دائرة الحلال إلى دائرة الحرام من مثل ما يسمعه الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تصرخ بـ "ياه" و "يوه" "ييه" الخ. ولنذكر قول الله لنساء النبي: ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض). (جـ) هذا إلى أن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا، أن هذا دليل على فراغ القلب والعقل من الواجبات الكبيرة والأهداف العظيمة، ودليل على إهدار حقوق أخرى كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود، وما أصدق وأعمق ما قاله ابن المقفع: "ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع". ( د ) على أن المستمع -بعد الحدود التي ذكرناها- يكون فقيه نفسه، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة ويسبح به في شطحات الخيال الحسي فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح. ولا ريب أن هذه القيود قلما تتوافر جميعًا في أغاني هذا العصر بكمها وكيفها وموضوعها وطريقة أدائها والتصاقها بحياة أقوام بعيدين كل البعد عن الدين وأخلاقياته و مثله. فلا ينبغي للمسلم التنويه بهم، والمشاركة في نشر ذكرهم، وتوسيع نطاق تأثيرهم إذ به يتسع نطاق إفسادهم. ولهذا كان الأولى بالمسلم الحريص على دينه أن يأخذ بالعزيمة لنفسه وأن يتقي الشبهات وينأى بنفسه عن هذا المجال الذي يصعب التخلص فيه من شائبة الحرام إلا ما ندر. ومن أخذ بالرخصة فليتحر لنفسه وليتخير ما كان أبعد عن مظان الإثم ما استطاع، وإذا كان هذا في مجرد (السماع) فإن الأمر في (الاحتراف) بالغناء يكون أشد وأخوف، لأن الإندماج في البيئة "الفنية" كما تسمى خطر شديد على دين المسلم يندر من يخرج منه سالمًا معافى.. وهذا في الرجل، أما المرأة فالخطر منها وعليها أشد، ولذا فرض الله تعالى عليها من التصون والتحفظ والاحتشام في لبسها ومشيتها وكلامها ما يباعد الرجال من فتنتها وما يباعدها من فتنة الرجال ويحميها من أذى الألسن وشره الأعين وطمع القلوب المريضة كما قال تعالى: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)وقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . واحتراف المرأة المسلمة للغناء يعرضها لأن تَفتن أو تُفتن ويورطها في محرمات قلما تستطيع التغلب عليها من الخلوة بالأجنبي للتلحين أو التسجيل أو التعاقد أو غيرها، ومن الاختلاط بالرجال الأجانب عنها اختلاطًا لا تقره الشريعة، بل الاختلاط بالنساء المتبرجات "المتحررات" من المسلمات بالوراثة ومن غير المسلمات هو محرم أيضًا . كم هو جميل ان نسمع لرأي مجتهد، وكم هو أجمل أن نسمع رأي مجتهدين

[دايم الشوق]

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

[زامر الحي]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .