في هذا التقرير المسبط، سأتعرض لقضية حساسة في نظر افراد قبيلة بني بحير، وسأتناول محاورها بكل شفافية وموضوعية دون مراعاة لمراتع الجهل التي لازلت باقية في عقول بعض القراء، فشريحتي من القراء التي اعني بها هذا المقال تلك الفئة ذات الفكر المستنير التي تتقبل كل ما يوجه لها وتمحصه وتحلله وتنقده وتمزقه إن دعت الحاجة لتمزيقه. ولأن أغلب قراء هذا المهبط الابداعي يتبوؤن مرتبة عليا في السلم الفكري الثقافي، فإن الفرحة لا تسعني وأنا اتعرض لهذه القضية بشيء من التفصيل والإيضاح.
موضوعي يتناول ظاهرة استفحلت في منطقتنا وتمددت، خلفتها رجعية السفهاء وتغافل العقلاء، وبات من شأنها توسيع الخرق على الراقع الذي يسعى وحيداً للحفاظ على لحمة القبيلة وتمتين عراها بين ابنائها، اعني بها ظاهرة انتشار لفظة "عبد" ككلمة ينبز بها ذوي البشرة السوداء دون أصحاب البشرة البيضاء، مما ولدّ لنا تتمييزاً عرقياً مقيتاً لايزال يعيش بيننا رغم غياب الظاهرة لحد ما من عقول النبلاء والقراء والنخبة الثقافية بقبيلة بني بحير.
قد يكون لزاماً عليّ قبل التعرض لهذه الظاهرة أن نستهل بنبذة تاريخية عن بداية هذه النازلة ومنبعها الاصيل في القرون الوسطى وسأستند على بعض الصور التي وجدتها في بعض المصادر الأجنبية، فلقد عزت كتب التاريخ كلها أن الفترة التي سبقت انتشار دين اليهوديه كان القوي من الناحية المادية والاجتماعية ذا سلطة كافية للتحكم والترشد بأمور الضعيف بغض الطرف عن لونه اسوداً كان ام ابيض- وقبل مجيء الاسلام بفترة ليست بالطويلة كانت الجزيرة العربية تغص بالعبيد المماليك (بيضاً وسوداً) نظراً لمكان مكة التجاري وسفريات العرب إلى الحبشة والشام واليمن فكانت هناك اسواق مخصصة لبيع العبيد بمبالغ مادية معينة أو عن طريق المقايضة بحيث يستبدل العبد بعبدٍ آخر. وفي هذا اشارة واضحة ومطلقة على أن العبودية ليست حكراً على لون محدد دون غيره. وحتى أدلل على هذا بدليل قاطع وجازم، فتعالوا لنتسائل عن اسم جد الرسول صلى الله عليه وسلم "عبدالمطلب" كيف أن المطلب ليس اسماً من اسماء الله عز وجل ومع ذلك نعزوه إليه؟ فقد أورد ابن كثير في البداية والنهاية أن الجد الأكبر للرسول هاشم كان في سفر إلى الشام ونزل عند أحد العرب في المدينة وأعجب بابنته وتزوج منها، فأخذها معه إلى الشام وبنى بها هناك ولما عاد إلى المدينة عاد بها حبلى فتركها عند والدها، وسافر إلى الشام ومات هناك. فأنجبت الزوجة ولد سمته شيبه، ولما سمع المطلب أخو هاشم أن ابن اخيه في المدينة وأن اخيه قد توفى في الشام، ذهب إلى المدينه وأخذ ابن اخيه شيبه، ولما قدم على مكة وهو يحمله على راحلته، ظن الناس جميعهم أن شيبه عبدٌ للمطلب فأخذوا يباركون للمطلب ويسمون شيبه "عبدالمطلب" إلى أن تسمى بهذا الاسم. ولو أن العرب لم تعتاد على رؤية العبيد البيض، لما ذهب عقل احدهم إلى أن شيبه قد يكون عبداً، ولكن العادة جرت على كثرة العبيد من البيض والسود.
احد اسواق العبودية في القرون الوسطى
ولقد احل الله عز وجل اقتناء العبيد والإماء وندب إلى عتق رقابهم فكان الاسلام أول من وقف موقف المحايد المؤيد لنبذ هذه الظاهرة، بخلاف اليهودية والنصرانية، ولما بلغت فتوحات الاسلام شمال افريقية ورقاع من اورباء فاق عدد العبيد البيض عدد السود، وفي هذا دلالة مباشرة أن اللون لا يعمل كمعيار دقيق لتحديد ما إذا كان الشخص عبداً ام حرا، ولقد بحثت في هذا الجانب عن رجل يمكن الاستشهاد به فوجدت مخطوطة نشرتها جامعة شيكاغو في عام ١٩٩٠
بحلول 1620 ميلادياً، قالت تقارير بيبلر، أن اكثر من 20 الف مسيحي أبيض كانوا عبيداً في العاصمة الجزائر وحدها، وفي الثلاثينات من القرن السابع عشر وصل الرقم إلى ثلاثين ألف رجل وألفين أمرأة. وأن من أشهرالاوربيون المسيحين البيض اللذين كانوا من العبيد في الدول البربرية "ميغيل دي سرفانتس" وهو كاتب اسباني عظيم ألّف ملحمة "دون كيشوت" وقد أتخذ كعبد في بداية القرن الخامس عشر" أنتهى.

العبيد البيض اللذين تم استعبادهم في شمال افريقية.
ورغم ان اولئك كانوا يعيشون عصراً زاهراً تخلله احترام الاديان والثقافات والعرقيات، كان العبيد مبدعين في مجالات عدة، لاسيما الجوانب الإسلامية، والجدير بالذكر أنه لما توفي العبادلة الاربعة وهم عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص، انتقل الفقه الاسلامي إلى الموالي، فكان في مكة عطاء وفي اليمن طاووس وفي اليمامة يحي بن ابي كثير وفي البصرة الحسن البصري وفي الكوفة ابراهيم النخعي وفي الشام مكحول وفي خرسان عطاء الخرساني" وكانوا جميعاً من الموالي، وكان "أسلم" فقيهاً لدى عمر وكان عكرمة فقيها بين يدي ابن عباس، وكان ابن سيرين عبداً لانس بن مالك، وكل الاسماء بعاليه تربطهم شراكة تاريخية هي العبودية.
وكان الرسول صلى الله عليه ويسلم يحث على عتق العبيد واطلاق حريتهم بأيديهم، فأمر بعتق الرقاب ككفارة، واعتق ابو بكر بلال فصار مؤذن الرسول. وكان للرسول عبيداً فأعتق منهم في مرضه ما يقرب من الاربعين نفسا، وبقي في تركته عشرين عبداً، وكان اول قضاء على هذه الظاهرة في عام ١٣٣٥ لتحرير العبيد، وثم جرى التحرير الآخر في القرون الفارطة المتأخرة فكان عبر البرلمان الانكليزي والذي شجب تجارة الرقيق في عام ١٨٠٧، ثم تبعتها فرنسا بإلغاءها تجارة الرقيق في عام ١٨٤٨م ثم في البرازيل عام ١٨٨٨م ثم في الصين عام ١٩١٠ حرر الملك فيصل العبيد في اواخر نصف القرن الماضي
صورة توضح انتشار العبودية في أفريقيا
وإنا لنذكر هذا لنؤكد بأننا على يقين راسخ أن هذه الظاهرة لازلت مستشريه إلم تكن رائحتها باقية سائدة في كل عقل بحيري ذلك بأن كل ذا بشرة سوداء يعتبر عبد مملوك ليس له الحرية في اطلاق حركته وفكره، وهذا عين الخطأ لسببين: السبب الأول أن اللون لوحده لا يشير إطلاقاً إلى العبودية فهناك من ذوي البشرة السوداء لم يستعبدوا، والسبب الثاني: أن العبد الحقيقي الأصلي ذلك المستعبد في كلامه ورأيه، فيجد نفسه عبداً لدى ساداته في نظره، ومع الأسف فالكثير عبيداً لبعض الآراء والأهواء فتجد ذووي المكانات الاجتماعية سواء كان مشايخ أو غيرهم يستعبدونهم و"يستخبطونهم" فيصبحوا اداة يحركونها كيف شاؤوا، فلا يستطيعون التعبير عن موقفهم لا الشخصي ولا العام. ولعلنا نتذكر أن عصر العبودية قد ولى دبره وليس لنا التعارك لنبشه وإظهاره، ولنتذكر سوياً بلا خلاف عبوديتنا وقوفاً بين يدي الله اللذي لا يفرق بين الاسود والأبيض وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
ولأن هذه الظاهرة عمت البلاد وترسبت في عقول الصبيان فاصبحت التفرقة بادية وأصبح الشر ينسب لفئة عن فئة، فإني أنادي من على هذا المنبر اخواني في الله التوقف عن التناجي بهذه الكلمة نبزاً لأخواننا في الله، كما أ ناشد أخواني من ذوي البشرة السوداء الابتعاد عن كلمة "خال" لأنها مع اسفي وحزني ترمز إلى العبودية القميئة، ولقد بحثت في هذه الكلمة ووجدت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث أورده البخاري ومسلم فهو حديث متفق عليه "إخوانكم خولكم (=عبيدكم)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". ولست هنا بصدد ذكر ما فعله الغرب لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والناشط مارتن لوثر كنق حيال هذه القضية وكيف أن كلمة "نِقَر" أصبحت كلمة بغيضة يحاكم قائلها ويجرّم، ونحن أولى باتباع الحق كوننا جبلنا وخلقنا على قول الحق بأمر إلهنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم.
أجمل تحية وأرجو أن وفقني الله في عرض المسألة بحيادية مطلقة
متعب البحيري