عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2010, 01:46 AM   #2
سعدالقرني
 

سعدالقرني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفايةسعدالقرني سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية
افتراضي رد: العبية الجاهلية والكفاءة وفصل الاسلام فيهما


أما خلاف ذلك من الأخلاق التي كانت في الجاهلية ؛ كخلق العصبية للقبيلة على الباطل فهو ماينبذ ويدحضه ديننا الحنيف، فجاء الإسلام ونفّر من العصبية الجاهلية، وصور ذلك الفعل القبيح تصويراً بليغاً، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الذي يعين عشيرته على غير الحق مثل البعير ردي في بئر فهو يُنْزع بذنبه) مسند الإمام أحمد(1/401)، وفي مسند أبي داود(7/17). وفي الحديث الشريف: (من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصَبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقُتل فقِتْلةٌ جاهليةٌ) صحيح مسلم بشرح النووي(12/238).، والعمية هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه.

وقال تعالى: (لا تَجد قَوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أَو أبناءهم أو إخوانهم أَو عشيرتهم) سورة المجادلة: (22). قال أهل العلم في سبب نزول هذه الآية: إنها نزلت في أبي عبيدة حين قتل أباه يوم أحد، وفي أبي بكر حين دعا ابنه للمبارزة يوم بدر، وفي عمر حيث قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر، وفي علي وحمزة حين قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر.

إن الافتخار بالآباء والاعتزاز بالانتماء القبلي قد يدفع المرء إلى النار التي حذرنا الله منها، ذلك أنه قد يفتخر بالكفرة من آبائه وأجداده، وما دفعه لذلك إلا العصبية الجاهلية، ولنسمع هذا الحديث الذي [أخرجه أحمد (5/128) بإسناد صحيح] عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال رسول الله : (انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة).

ولنا أن نرى في خلق سلمان الفارسي وهو سلمان الخير، رضي الله عنه – لما سئل عن نسبه قال: أنا ابن الإسلام. ولما بلغ عمر مقولته هذه بكى، وقال: أنا ابن الإسلام.

إن الفخر بالآباء أو القبيلة أو بالعصبية الجاهلية مع غمز الآخرين والطعن فيها، وأنهم لا يساوونه في النسب مرض فتاك قاتل، يخبث النفس، ويشعل العداوة، ويفرق الجماعة، ويوجد البغضاء والعداوة بين أفراد المجتمع الواحد، وقد يؤدي إلى تمزيق المجتمع وجعله أحزاباً وطوائف.

لقد اشتد النبي في محاربة هذا الداء العضال، ونهى أمته عن الوقوع فيه، وبين لهم حقيقة أمرهم ليكونوا على بصيرة من ذلك. أخرج الترمذي (23955) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (لينتهن أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية – أي كبرها ونخوتها – إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب) إنه تحذير نبوي كريم من آثار الجاهلية التي جاء الإسلام ليحطمها، ويقيم عليها البناء الشامخ القوي. إنها أخوة الإسلام التي لا ترقى إليها العصبية، ولا تؤثر فيها الجاهلية.

إن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذَّر منها ولاريب أن الدعوة إلى القومية من أمر الجاهلية لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق..وكما قال الشيخ إبن تيمية رحمه الله : كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية بل لمَّا اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري : ياللمهاجرين وقال الأنصاري ياللأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم) وغضب لذلك غضباً شديداً.

ومن ذلك ماثبت في الحديث الصحيح أخرجه الترمذي عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن) فذكرها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأنا آمركم بخمس ، الله أمرني بهن : السمع والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ،ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثى جهنم ) قيل : يارسول الله وإن صلى وصام ؟ قال : ( وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ،فادعوا بدعوى الله سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ).

يقول دعاة القومية إن الدعوة إلى القومية العربية والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولابد إلى رفض حكم القرآن ، لأن القوميون غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام.. وقد صرح بذلك كثير منهم..، وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة ، كما قال تعالى : ( فلا و ربك لايؤمنون حتى يحكِّموك فيما شَجَر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلِّموا تسليما ) ، وقال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) المائدة 50 وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، وقال تعالى: ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليماً) الفتح 26 .

فالواجب على زعماء القومية العربية ودعاتها أن يحاسبوا أنفسهم ويتهموا رأيهم وأن يفكروا في نتائج دعوتهم المشؤومة وغايتها الوخيمة ، وأن يكرسوا جهودهم ويسخروا طاقاتهم للدعوة إلى الإسلام ونشر محاسنه والتمسك بتعاليمه والدعوة إلى تحكيمه بدلاً من الدعوة إلى قومية أو الوطنية.

فالتعصب للقبيلة على الباطل خصلة من خصال أهل الجاهلية. وقع يوم من الأيام بين [أبي ذر] -رضي الله عنه- [وبلال] -رضي الله عنه- خصومة، فيغضب [أبو ذر] وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: "يا ابن السوداء" فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر، ويستدعي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته- يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت –والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويأخذ بلال –رضي الله عنه- كما روي ويضع خده على التراب ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع، ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر، يغفر الله لك يا أبا ذر، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في القلوب، وانتهى ما في القلوب. الشاهد هنا من الحديث : إنك امرؤ فيك جاهلية ، أي ما زال فيك خصلة من خصال الجاهلية؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بالأحساب، ويطعنون في الأنساب؛ كما جاء في الحديث الصحيح: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة) أخرجه مسلم. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) أخرجه مسلم . ففي قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) بطلان ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق الرديئة، والعقائد الفاسدة، وهو ما ورثته بعض طوائف المسلمين اليوم، فنراهم يفتخرون بمزايا آبائهم وأجدادهم، وهم بعيدون عنهم كل البعد، فهذا يقول: كان جدي الشيخ الفلاني، وهذا يقول: جدي العالم الرباني، وذاك يقول: أنا من القبيلة الفلانية، وما إلى غير ذلك، وما تنفعك قبيلتك أو أبوك أو أمك عن عذاب الله، ألم تسمع إلى قول الحق -جل في علاه-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ) سورة المؤمنوننقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة101). وقال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) سورة عبس: (34-37). والذي يحزن له الإنسان حزناً كبيراً أن هذا المرض الذي هو مرض الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب قد يصاب به بعض من ينتسبون إلى العلم من الطلبة، فتجدهم يتمازحون أو يتفاخرون فيقولون بكلمات نابية، فلان مصري، وفلان سوداني، أو صومالي، وفلان خــضــيــر ي وفلان صانع وفلان بيسري وفلان أصيل وفلان غير أصيل كذا وكذا. على وجه السخرية، والفخر والعجب، لا على وجه التعريف، والتمييز.

فيأيها المسلم ويا أيها الأخ المبارك: إذا كنت ولا بد مفتخراً فافتخر بالإسلام، وليكن الإسلام بالنسبة لك فوق كل اعتبار، ولتعلم أنك عبدٌ لله؛ فإذا سئلت عن قدوتك، قلت: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب:21، وإذا سئلت عن مذهبك وطريقتك، فقل( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف: 108، وإذا سئلت عن بزتك لباسك، فقلت: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) لاأعراف: 26، وإذا سئلت عن مقصودك ومطلبك، فقلت: ( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) الكهف: 28، ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانا أَن كنا أَول المؤمنين) الشعراء: 51، وإذا سئلت عن رباطك، فقلت: ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بِالغدو والآصال رِجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإِقام الصلاة وإِيتَاء الزكاة يخافون يوما تَتَقَلب فيه القلوب والأَبصار ) سورة النــور: ( 36- 37). وعن نسبك قلت:

أبي الإسلام لا أب لي سواه ---- إذا افتخروا بقيس أو تميم

فكن -يا عبد الله- متلبساً بلباس التقوى، (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) سورة الأعراف: (26). وكن متزوداً بزاد التقوى، (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) سورة البقرة: (197). واسمع إلى الحق-جل وتعالى- وهو يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات: (13). وقال صلى الله عليه وسلم-: (أكرمهم عند الله أتقاهم)

ما يصنع العبد بعزّ الغنى ---- والعزُّ كل العز للمتقى
من عرف الله فلم تغنــــه ---- معرفة الله فذاك الشقي

فإنَّ بتقوى الله-عز وجل- تكون الولاية من الله للعبد؛ قال الله- تعالى-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) يونس: (62-63). وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهاراً غير سراً يقول: (إنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنَّما وليي الله وصالح المؤمنين) أخرجه مسلم. ولذلك فإنَّ النسب الشريف، أو الحسب المنيف؛ بدون تقوى الله –عز وجل- لا ينفع، والنسب الوضيع مع وجود التقوى أفضل وأشرف وأرفع؛ فهذا بلال الحبشي لما أسلم وحقق التقوى لله رفع الله قدره، وأعلى منزلته، وبل وسمع النبي-صلى الله عليه وسلم- دف نعليه في الجنة ، وهذا سلمان الفارسي لما خالط الإيمان بشاشة قلبه، واتقى خالقه، وخاف سيده ومولاه، أيضاً رفعه الله، وحصل في الدنيا مبتغاه وتقلَّد جائزة: (سلمان منا آل البيت) أخرجه الحاكم في المستدرك.

يتبعععععع



سعدالقرني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس