رد: طلابنا ، موهبة يقتلها الخجل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلام جميل لا يصدر إلا من جميل، قرأت مقالتك كاملة وحمدت الله أن رأيتها لأنني كنت انتظرها بفارغ الصبر للتعليق عليها وتضمين ما يمكن تضمينه. أتفق معك في هذا الشأن وأتفق معك على الاسباب ولدي بعض الاضافات البسيطة رغم يقيني بإنها عملية تكرير بإسلوب مغاير. فلم تدع لنا مجالاً واسعاً لإقحام ما يمكن اقحامه حال تناول القضية، فبدأت بمقدمة واسباب وختم بحلول، ومع ذا لعلنا نضيف ما هو طريف أو جديد ونعيد ونكمّل والله ولي التوفيق. الخجل أو sociophobia (الرهاب الاجتماعي) تم تصنيفه حسب احصائية قرأتها قبل مدة كأول مشكلة نفسية يسعى المختصين في استئصالها في الولايات المتحدة، يأتي بعدها مشكلة السمنة المفرطة، فأتمنى منك يا عزيزي ابا حسين طالما تناولت موضوع الخجل أن تطرق باب السمنة وأسبابها ومدى تفشيها في القبيلة، ولا تنسى جانب التكرش وعلاقته بالزواج. عطفاً على موضوع الخجل فوفقاً لأقوال علماء النفس أن الغريب من أمر هذه المشكلة أنها لا تكون بادية للعيان أثناء الحديث امام جمع غفير أو في مناسبة اجتماعية إلا عقب شروع الإنسان في أرسال رسائل سلبيه إلى عقله على اثرها تفرز كميات كبيرة غير معتادة من هرمون الادرينالين تُبدي بدورها ارتباك وخوف المتحدث. فالقضية قضية انسان اراد لنفسه الخجل، بينما الشاب الذي يقف ويزيد من الرسائل الايجابية لنفسه وذاته يؤدي مهمته بخلاف سابقه. وقبل سنة ونصف كنت اشاهد برنامج نفسي على قناة الشارقة ظهيرة يوم أربعاء (لازلت اتذكر ذلك الحدث بالتفصيل) وتعرّض البرنامج لهذه الظاهرة التي تنجم على حد قول احد المختصين حين يرى الإنسان الخجول مجتمعه أكبر منه حجماً وعظمة، ولكي يتحلل الإنسان من هذا المشكلة عليه النظر لمجتمعه على صورة كتلة صغيرة لا تقاس وتقارن بحجمه هو بذاته. وتتفاقم المشكلة حين يصنف الخجول مجتمعه على كونه وحدات متفرقه يمثلها اشخاص عوضاً عن تصنيفه له كمجموعة واحدة، والسبب في ذلك أن يجعل نفسه تتعامل مع عدد هائل كبير من المجتمع ما يزيد من تأزم الوضع، قياساً بما لو تعامل مع وحدة واحدة فقط. ولقد أعجبني في الواقع تفكيرك وتصرفك وأرفع لك القبعة تبجيلاً لك واحتضن ما قلت بإذن الله مبدأ لي في التربية وأنادي البقية باتخاذه انموذجاً يحاكى حين جعلت ابنك يتولى مهمة صب القهوة للضيوف، لاسيما ردك على والدك الذي كاد يقضي على حياة ناجح جهلاً منه لا تعمداً. نعم، هذا ما ينبغي أن يحدث ضمن كل اسرة فمشكلة آبائنا نزع الثقة من نفوس أبنائهم بشكل غير مباشر ولا اريد الجنوح لتناول هذا الجانب أذ أني تعرضت له بشكل موسع تحت عنوان "الاب البحيري تحت الدراسة والتدقيق" لمن يريد الاستزادة. أما بخصوص مثيرات هذا المشكلة فتلعب المدرسة الدور الأبرز في العملية ذلك أن ثقة الطالب تسقط تحت المحك الحقيقي ما أن يندمج مع معاصريه من الطلاب، فقياس مستوى الثقة لدى الطالب يتم عن طريق الأذاعة المدرسية والمشاركة في الفصل أمام زملائه، وأتمنى أن ننهج نهج المثال الفخري الذي طرحه صديقي محمد. ولا نبريء الاسباب الاخرى من انخراطها في العمليه، بل لها من الدور ما لها خصوصاً دور الاسرة والمتجمع فالكل مشارك في العملية ولا يعذر منا أحد. أفضل وأسلم وأنجع طريقة لكسر طوق الخجل الإنغماس في الأحداث الاجتماعية بما في ذلك الحفلات والرحلات والتجماعات الاسرية والمخيمات والدورات وكل ما يجعل الإنسان اجتماعي بطبعه، وبمقدور المريض أن يقوض اركان الرهاب الاجتماعي بالمشاركة بالسؤال والمعارضة والتأييد واثارة روح المرح في كل مكان سواء كازينو، سوق، سوبرماركت، مطعم أو غيرها. فلا يبنغي أن ينكفأ الفرد البحيري على نفسه ويطبق شفتاه إيماناً بضعف مكانته امام محدثيه، بل يتحتم عليه أن يؤمن برأيه ونظرته للحياة، ويقتل كل فكرة حاولت القضاء على رأيه الذي قد يكون صائباً، وليس في هذا دعوة على الخروج على الحوار بقدر أن يبدي الإنسان رايه مهما بدا ساذجاً، المشكلة في التحفظ في ابداء وجهات النظر تعود جذورها إلى موقف طاريء نشأ من قبل الاسرة أو المجتمع أو المدرسة. فلا يخفى علي الكل ما يتلقفه الطالب الغر في مقتبل حياته العلمية، فقد يوجه له المعلم كلمة أو تصرف غير مباشر تنتقص من قدارته العقلية، فيؤمن بصحتها وحقيبتها لأنه حديث السن لا يميز رأي المعلم من حقيقة الحال. فتوماس أديسون على سبيل المثال لا الحصر كان من أغبى التلاميذ في المراحل الابتدائية وكان كثيراً ما يسمع ما يؤذيه ويسوءه من قبل معلمه وقرنائه، بيد أنه آمن برأيه وفكره وعقله بعد سنين من مغادرة الدراسة وأنتج للعالم ما ينوف عن ألف منتج مسجل كبراعة اختراع باسم أديسون.
كما أن من أعراض هذا المرض السائد أعتقاد الإنسان بأنه محط الأنظار ومحل الاهتمام بوجوده بين مجتمعه، فالكل في نظره ينظر إليه ويراقبه ويتببعه في كل محفل ومناسبة، وهذا الاعتقاد كما ذكر علماء النفس سرعان ما يندثر بالإيمان بخلاف هذا أو بالانغماس في تصعيد المشكلة حتى القضاء عليها. كأن يحمل بيده كتاب أو أداة ملفتة للانتباه ويمر بها بين جماعة كبيرة من الناس في محاولة من لدنه ليخلق من نفسه محل اهتمام ونظر، ومع تقدم الأيام وممارسة العملية أكثر من مرة، تتعود النفس البشرية على نمطية الموقف ويختفي بهذا هاجس الخوف من المجتمع.
أخيراً أرجو من سعادة الاستاذ م ح البحيري ان يطرح القضية على منبر المسجد لأن المساجد في نظري شأنها شأن المستشفيات النفسيه، ولقد كان للمساجد دور كبير في حل قضايا اهل مكة والمدينة سواءً الدينية أو الدنيويه، فبالإمكان صبغ القضية بطابع ديني كون الخجل يثني الكثير عن الدعوة عن الله وممارسة طقوسهم الدينيه بأريحيه، وتذكيرهم بخطر العزوف عن التقرب بالنوافل خشية كلام الناس ذلك أنهم قدموا خوف الناس على خوف الله وأنا على ثقة بقدرتك على رسم ابعاد القضية بطابع اسلامي جميل كما عهدنا عليك في سابق الأيام، ذكرهم كيف أن الرسول جمع أهل مكة كلهم وصعد على جبل وخاطبهم مناترة لا من وراء حجاب في موقف شامخ يكتنفه التاريخ الاسلامي يدل على حياة الثقة وموت الخجل، بل حين تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة وقدم احد الوفود الذي يترأسه ابن هاشمي ذا احد عشر سنة وقف خطيباً يعلن مبايعته لعمر، فقال عمر رضي الله عنه: لينطق من هو أسن منك، فقال الصغير: اصلح الله حال الأمير، أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبدًا لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا، فقد استحق الكلام، وعرف فضله مَنْ سمع خطابه، ولو أن الأمر - يا أمير المؤمنين - بالسِّنِ لكان في الأمة مَنْ هو أحق بمجلسك هذا منك، فقال عمر: صدقت، قل ما بدا لك. أين نحن من هذا عن قبيلتنا، فلو قلنا لشاب صغير أن يمثل القبيلة كاملة لتعالت الاصوات شجباً لهذا القرار خوفاً من خطأه، مرة ثانية اهنيء نفسي واهنيء الجميع على تصرفك مع ولدك وواصل عطاءك وتذكر أن مجتمعنا في حاجة لأن يعقل دواعي المشكلة وحلولها وخير محطة يصيخ القوم اسماعمهم لما يقال محطة المساجد. أجمل تحية وأصدق مودة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا تنسى قلم الرصاص من اسئلتك على كرسي الاعتراف.
التعديل الأخير تم بواسطة متعب البحيري ; 10-03-2009 الساعة 01:45 AM.
|