عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2017, 04:22 AM   #2
عبق الورد
 
الصورة الرمزية عبق الورد
افتراضي رد: حول حقيقة الالتزام...شكلاً مضموناً

كم هم الذين اغترُّوا بمظهر شخص ما فأطلقوا عليه حكماً عاماً بالالتزام ،
وحين تعاشره تجد أنَّ الالتزام كان التزماً ظاهراً ، يحتاج لأن يرقِّي التزامه وينقله من التزام المظاهر والظواهر ـ
وهو أمر محمود ـ إلى تعزيزه بالتزام الجوهر والضمير.
وعليه فمن الأهميَّة بمكان أن يكون مستوى تفكيرنا وحكمنا على الأشخاص والناس حكماً دقيقاً لا حكماً ظاهرياً
، كما أنَّه من المهم أن نوسِّع دائرة الالتزام ولا نضيِّقها على بعض الهيئات التي لا أخالف في أنَّها واجبة ؛
ولكنِّي أخالف في قصرها على الالتزام الظاهري فقط.

وهناك أمورٌ قد يتهاون بها الملتزمون ، مع تعظيمهم لبعض الأخطاء والآثام الظاهرة التي قد لا تصل لدرجة الكبيرة .
بيد أنَّ هناك تساهلاً في كبائر مجمع عليها كالغيبة ، والكذب ، والنميمة ، وأكل حقوق الناس ، والظلم للعمَّال ـ
والتي قد يتهاون بها بعض الملتزمين ـ فهي كبائر فظيعة ، وفواحش شنيعة ،
لم يخالف في توصيفها بأنَّها كبائرٌ أحد من العلماء.

لقد قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ {وذروا ظاهر الإثم وباطنه)
والآية هنا تقضي بأهميَّة التخلق بخلق الإسلام ، والابتعاد عن الإثم ظاهراً وباطناً ،
لأنَّنا قد نعتني بترك الإثم الظاهر لاطِّلاع الناس عليه ونقع فيما هو أشد منه من الإثم الباطن.

ولقد نبَّه رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ على خطورة الانخداع بالمظاهر .
فعن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال: "مرَّ رجل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟
فقال: رجل من أشراف الناس ؛ هذا والله حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يشفع؛
فسكت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
ثم مر رجل آخر؛ فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما رأيك في هذا؟
فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين؛ هذا حريٌّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال أن لا يُسمع لقوله
؛ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا".رواه البخاري برقم6447) .


وبيَّن ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أن الله ـ عز وجل ـ لا ينظر إلى الصور والأجسام،
ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال
فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ:
"إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"( أخرجه مسلم).
نعم ! لا شك بأنَّ الحكم على الناس يكون بالظاهر والله يتولَّى السرائر كما نطق بذلك فقهاء الإسلام
، ونصَّ عليه جمع من العلماء
كابن تيمية والشاطبي والنووي وغيرهم.
بل حكى الإمام ابن حجر الإجماع على ذلك
فقال :"وكلُّهم أجمعوا على أنَّ أحكام الدنيا تجري على الظاهر والله يتولَّى السرائر"؟ ( فتح الباري :12/273).
ولكن .. هل المراد بقاعدة الحكم على الناس بالظاهر) أنَّ الإنسان يتولَّى الحكم من أوَّل نظرة؟! كلاَّ !
فذلك لا يليق بأصحاب العقول الفطنة ،
ومن المعلوم أنَّه : ما كلُّ بيضاء شحمة ، ولا كلُّ سوداء تمرة.








عبق الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس