03-26-2016, 01:16 PM
|
#1
|
|
الأمثال في القرآن 2
الأمثال في القرآن
للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قال تعالى :
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ }
[ العنكبوت : 41 ]
حكمة الله في أن يكون الإنسان ضعيفاً :
أيها الأخوة الكرام ، من الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم
قوله تعالى :
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
[ العنكبوت : 41 ]
الحقيقة أيها الأخوة ، أنه من مسلمات العقيدة أن الله واجب الوجود ،
لكن ما سوى الله ممكن الوجود ،
معنى ممكن :
أي ممكن أن يوجد أو ألا يوجد أصلاً ،
ما سوى الله ممكن الوجود
وهناك معنى آخر :
وإذا وجد يمكن أن يوجد على ما هو عليه الآن ،
أو على خلاف ما هو عليه ،
إذاً شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان ضعيفاً ،
قال تعالى :
{ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً }
[ النساء : 28 ]
ضعيف ، ينهار لأي خبر سيئ ، يضعف أمام الأمراض ،
أمام الفقر ، أمام الأقوياء ، في أصل خلقه نقطة ضعف
أرادها الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة ، إن الإنسان خلق ضعيفاً ،
نقطة الضعف في أصل خلقه ، لماذا ؟
من حكم هذا الضعف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً
ليفتقر بضعفه إلى الله ، فإذا افتقر بضعفه إلى الله سعد بافتقاره ،
ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه ،
خُلقت ضعيفاً كي تفتقر إلى الله ، وبهذا الافتقار إلى الله
تكون أسعد الخلق ،
ولن تكون قوياً لأن القوي يستغني بقوته عن الله فيشقى باستغنائه .
التولي و التخلي :
لذلك الإنسان في أصل خلقه ضعيف ، هكذا أراد الله ، ولحكمة بالغة بالغة ،
عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، إنسان قوي له مكانة ، غني ،
عاقل ، ترتعد فرائصه لتقرير صحي أن في بعض أنحاء جسمه ورماً خبيثاً ،
{ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً }
[ النساء : 28 ]
لكن ما أرادنا أن نكون ضعفاء إلا لنفتقر إلى الله بهذا الضعف ،
فإذا افتقرنا إليه قوينا ، لذلك الصحابة الكرام هم قمم البشر ،
وهم نخبة البشر ، في بدر افتقروا إلى الله ،
قال تعالى :
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ }
[ آل عمران : 123 ]
أي مفتقرون إلى الله ، هم هم ومعهم سيد البشر ، معهم سيد الخلق
وحبيب الحق في حنين اعتدوا بعددهم، فقالوا :
( لن نغلب اليوم من قلة )
أخرجه البزار عن أنس بن مالك
فقال تعالى :
{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ }
[ سورة التوبة : 25 ]
أي أنت أيها الإنسان
بينما أن تقول :
الله
فيتولاك
وبين أن تقول :
أنا
فيتخلى عنك
أنت بين التولي والتخلي ، وهذا الدرس تحتاجه ، لا أقول كل يوم ،
ولا أقول كل ساعة ، بل كل دقيقة ،
لمجرد أن تعزو قوتك إليك يتخلى الله عنك ،
ولمجرد أن تفتقر إليه يتولاك ،
هذا القانون إذا قلت :
إذا قلت :
الكلمات المهلكات في القرآن الكريم :
لذلك قالوا :
بعض الكلمات مهلكات :
أنا، ونحن، ولي، وعندي
قال إبليس :
{ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }
[ الأعراف : 12 ]
فأهلكه الله ،
وقال قوم بلقيس :
{ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ }
[ النمل : 33 ]
فأهلكهم الله
وقال قارون :
{ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ }
[ الزخرف : 51 ]
وقال قارون :
{ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي }
[ القصص : 78 ]
{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }
[ القصص : 81 ]
وقال فرعون :
{ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ }
[ الزخرف : 51 ]
فأهلكه الله .
الإنسان في أصل خلقه ضعيف
ليفتقر إلى الله فيسعد في الدنيا و الآخرة :
أنت خلقت ضعيفاً كي تفتقر بضعفك ، فإذا افتقرت بضعفك سعدت بافتقارك ،
ولو خلقت ضعيفاً دون أن تشعر لاستغنيت بقوتك وشقيت باستغنائك ،
هذه حقيقة أولى ، فأنت ضعيف ، والضعيف دائماً بحاجة إلى قوي
يعتمد عليه ، يحميه ، يدافع عنه ، يسأله ، يستجير به ،
يستغيث به ، يدعوه .
النقطة الدقيقة الآن :
أنت في أصل خلقك ضعيف ، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة ، عرفها من عرفها ،
وجهلها من جهلها ، أراد الله أن تفتقر إليه ، جُعلت ضعيفاً كي تفتقر إليه ،
وكي تسعد بافتقارك إليه ، وكي تصبح قوياً بافتقارك إليه ،
وكي تصبح غنياً بافتقارك إليه ، وما أرادك أن تكون قوياً فتستغني عنه
فتشقى باستغنائك .
ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في الآية التالية :
لذلك الله عز وجل بيّن لنا في كتابه الكريم :
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
[ العنكبوت : 41 ]
لكن ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في هذه الآية :
الحقيقة خيط العنكبوت وقد لا تصدقون أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف ،
ذلك أن الأشياء إذا قاومت قوى الشد كانت متينة ،
فإذا قاومت قوى الضغط كانت قاسية ، فالقسوة مقاومة قوى الضغط ،
والألماس أعلى عنصر في الأرض يقاوم قوى الضغط ،
بينما الفولاذ المضفور يعد أقوى عنصر في الأرض يقاوم قوى الشد ،
لذلك المصاعد تتحرك بأسلاك الفولاذ المضفور ،
التل فريك ينتقل عبر الفولاذ ، عندنا مقاومة قوى الشد ،
مقاومة قوى الضغط ، أمتن عنصر هو الفولاذ المضفور ،
وخيط العنكبوت يساوي خمسة أضعاف متانة الفولاذ ،
لكن بعض العلماء قالوا :
الضعف في هذه الآية:
{ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
[ العنكبوت : 41 ]
هذا ضعف اجتماعي .
على المسلمين أن يبتعدوا عن الفتن الطائفية
التي تفرقهم و تضعفهم :
تخيل قبل أن تنام أن ملياراً وخمسمئة مليون إنسان كلمتهم واحدة ،
ينطق باسمهم واحد ، يتخذون قراراً واحداً ، مجمعون على قرار واحد ،
يتحركون بسياسة واحدة ، هم أقوى قوة في الأرض ،
المسلمون مليار وخمسمئة مليون ، يتربعون على أفضل مناطق في الأرض ،
مناطق بالتعبير المعاصر استراتيجية ، يملكون أكبر ثروات الأرض ،
لكنهم مع الأسف الشديد أفقر شعوب الأرض ، لأن ضعفهم من تشتتهم ،
ولأن ضعفهم من اختلافهم ، ولأن ضعفهم من خصوماته م.
لذلك ماذا فعل فرعون وهو الطاغية الأول ؟
قال تعالى :
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ
إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }
[ القصص : 4 ]
قوة فرعون بالفتن الطائفية ، قوة فرعون أنه جعل قومه شيعاً وأحزابا ً.
لذلك أيها الأخوة ، الغرب وضعنا في سلة واحدة ،
وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد ، ترون أن القوي في بلاده
ليس هناك طرح طائفي إطلاقاً ، إذا أتوا إلى بلادنا هذا عربي ،
هذا آشوري ، هذا كردي ، وهذا مسلم ، وهذا سني ، وهذا شيعي ،
يستخدمون ورقة الفتن الطائفية ، كأربح ورقة بيدهم .
فلذلك :
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً }
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ }
اعتمد على غير الله ، اعتمد على ماله ، أو على صحته ،
أو على مكانته ، أو على قراراه ، أو على حكمته ،
هذا الذي يعتمد على جهة من دون الله لابد من أن يصاب بخيبة أمل ،
لذلك قالوا :
من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى .
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد :
ومن الكلمات الجامعة المانعة :
لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ،
فأنت لمجرد أن تعتمد على جهة أرضية ، وأن تضع كل ثقلك عليها ،
وأن تنسى ربك ، أنت لجأت إلى أضعف ركن ، وهذا الركن لن يحميك ،
ولن يسعدك ، ولن يعطيك ما كنت تتمنى .
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ }
من اعتمد على ماله افتقر ، من اعتمد على مكانته ذُلّ ،
لذلك عليك الاعتماد على الله ، وأكبر درس بدر وحنين ،
الصحابة الكرام في بدر قالوا :
الله فتولاهم ،
هم أنفسهم قالوا في حنين :
( لن نغلب اليوم من قلة )
فتخلى الله عنهم ، والمؤمن يحتاج إلى هذا الدرس كل ساعة ،
يكفي أن تعتد بنفسك ، أو أن تعتد بنسبك ، أو أن بقوتك ،
أو أن تعتد بمالك ، فيتخلى الله عنك ،
هذا درس بليغ ينبغي أن نحفظه جميعا ً:
{ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
[ العنكبوت : 41 ]
وهن : ضعف ، خيوط العنكبوت متينة جداً ، لكن علاقة العنكبوت
الذكر بالأنثى علاقة سيئة جداً ، علاقة الأنثى بأولادها سيئة جداً ،
تأكل أولادها ، وقد تعتدي الأنثى على الذكر ، أي لا يوجد أية علاقة طيبة
ضمن هذه الأسرة ، إذاً هذا البيت ضعيف
{ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
والبطولة : لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ،
اعتقد يقيناً أن الشيء الوحيد المخيف في الأرض
هو أن تقترف ذنباً يستحق عقاب الله عليه ،
والشيء الوحيد المنجي أن تكون موحداً ،
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
والحمد لله رب العالمين
التوقيع |

|
|
|
|