ثانياً: أن الاختلاط الدائم في التعليم والعمل مما حرمه الله، واتفق العلماء على تحريمه في المذاهب الفقهية كلها ولا يعرف القول بالتحليل إلا بعد أزمنة الاستعمار تطويعاً للشريعة لتتفق مع الحال المفروضة،
ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) وصح في البخاري عن عطاء: لم يكن -يعني النساء- يُخالطن الرجال كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم.
وكان عمر يضرب من يراه من الرجال بين النساء، وقد بينت ذلك بأدلته وتعليلاته وأقوال الفقهاء في رسالة بعنوان: (الاختلاط .. تحرير وتقرير وتعقيب).
<لتحميل الرسالة اضغط هنا>
ثالثاً: إن السكوت عما يفعله الأستاذ عادل فقيه ويُلزم به التجار على العمل المختلط شراكة في الإثم وتضييع لأعظم أمانة، والله لا يعذر الساكت العالم إذا علم أن لكلامه أثراً في تغيير الشر، فما ضلت اليهود والنصارى إلا بأن رأوا أفعال الأخطاء فسكتوا ثم أُخذ السكوت منهم تجسيراً لتنامي الشر وتشجيعاً للقائمين عليه، ولذا قال الله عنهم:
{ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقومٍ آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه} فجعل الله سكوتهم موجباً للذم وجعله تحريفاً بالرضا، فالصمت إقرار.
رابعاً: إن الله لم يوجب على المرأة التكسب كفايةً لها إلا أنه لم يمنعها منه، لأن القوامة على الرجل تجب عليه بلا منّة، قال الله لآدم:
{فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} جعل الخروج لهما جميعاً وأما الشقاء فلآدم وحده، لأنه في الجنة مكفول الرزق بلا عمل، وفي الدنيا يشقى هو وحده بكسبه، ولا تشقى هيَ به.
وكثيرٌ من يقيس نسب البطالة الغربية ومعالجاتهم لها وينزلها على مجتمعات الإسلام، وذلك فساد في الأصل تبعه فساد في الفرع والنتيجة، فما بطالتهم كبطالتنا لأن قوامتهم ليست كقوامتنا.
وأما الواجب على الدولة ووزارة العمل تجاه بطالة النساء ففي ثلاثة أمور:
الأمر الأول: تعالِج التفريطَ في معنى القوامة الذي يُضيعه الرجال ويهملونه آباءً وأزواجاً وإخواناً، وتنشر الوعي فيه ومحاسبة الولي القادر المفرّط، والواقع اليوم عكس ذلك فيُرى إضعاف القوامة ودعوة النساء إلى المساواة بكسب الرزق والعمل.
الأمر الثاني: سدّ بطالة النساء بالإنفاق عليهن من المال العام بمرتبات معلومة
قال تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} والمحروم هو من لا كسب له من العاطلين، قالت عائشة: المحروم المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه.
وقوله {حق معلوم} يعني: مؤقّت دائم كالمرتبات.
الأمر الثالث: إيجاد سبل مباحة للعمل، فتعمل المرأة المحتاجة وغير المحتاجة بعيداً عن مظاهر الحرام، في متاجر خاصّة بهنّ لا يُشاركهنّ الرجال، وسبل الحلال أوسع من سبل الحرام.
خامساً: على ولاة الأمر إظهار الغيرة على المحارم، والتهديد للمنتهكين لها، كيف والولاة تُرفع إليهم نسب التحرّش والفواحش بنسب عالية من الجهات الرسمية، فقد كان هذا نهج النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صح في مسلم وأحمد من حديث أبي سعيدٍ أن النبي قام خطيباً لما جُلد ماعز بالزنا فقال:
(أوكلما انطلقنا غزاةً في سبيل الله تخلف رجلٌ في عيالنا له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكُثبة من اللبن، والله لا أقدر على أحدٍ منهم إلا جعلته نكالاً).
هذا في قضية واحدة قام ورهّب الناس، فكيف بالفاحشة إذا اشتهرت واستفاضت وكثر داعيها.
سادساً: إن الاحتجاج على صحة الأفعال بكثرة فاعليها خطأ كمن يقول: (أكثر الناس والدول والمجتمعات تفعل وتقول) فتلك حجة منفصلة عن الحقائق
لأن الحقّ يُعرف بذاته لا بفاعليه مكاناً وزماناً وكثرةً وقلةً، وهذه الحجة هي أعظم الحجج الباطلة التي يواجه فيها الناسُ الأنبياء، ولذا كثيراً ما يذكر الله أفعال الأكثرية بالذم في القرآن.
وقد يكون الحقّ في أفراد معدودين وقد جاء في الخبر الصحيح قال إبراهيم عليه السلام لزوجته:
(يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك).
وفي الخبر الآخر عن حال النبي صلى الله عليه وسلم:
(والله ما على ظهر الأرض أحد يعبد الله على هذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة) يعني محمداً وعلياً وخديجةً.
وقد يكون في واحدٍ كما قالت أسماء بنت أبي بكرٍ:
سمعت زيد بن عمرو في الجاهلية وهو مسند ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش لا والذي لا إله إلا هو ما أصبح اليوم على ظهر الأرض على دين إبراهيم غيري.
والحق يُعرف بنفسه لا بغيره.
سابعاً: كثيراً ما يُقرر بعض الناس الخطأ وتطمئن نفسه به، لأن مقصده حسن، وهذه الطمأنينة النفسية لا عبرة بها لأنها قد تعتري أشد الناس ضلالاً، والنوايا الحسنة لا تقلب الحقائق المُشاهدَة لتكون الأفعال موافقة لنية الفاعل، فقد يفعل الخير بنيّة الشر، ويفعل الشر بنية الخير، والإرادة شيء والمُراد شيء آخر، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه لمبتدعةٍ أرادوا خيراً:
(كم من مُريدٍ للخير لم يجده).
وقال الله قبلُ:
{الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}.
ثامناً: إن إنكار المنكر العام الظاهر واجب، فلا يستحكم شرٌّ في الأمة إلا بمنكرٍ وفاعلٍ له وساكت عنه.
ولذا فالواجب على العلماء والعقلاء إيقاف خطوات تقنين الاختلاط في المجتمع،
فإن لله سنّة كونية أن دفع الفساد قبل نزوله أهون من رفعه إذا نزل، والمنحرف تسهل إعادته من أول الطريق وتشق من نهايته، لأنه حديث عهد بفطرة صحيحة، والواجب تدارك الفطرة قبل تبديلها.
والله هو المعين وحده، به الهداية ومنه السداد.
قيده/ عبدالعزيز الطريفي
الخميس 22-8-1433 هـ