وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة.
بألا تكون عبداً لغير الله، لا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً ولا أماً ولا أباً، لا تعبد إلا الله وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى:
توحيد الألوهية، ويسمى: توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله هو توحيد ألوهية، وباعتبار إضافته إلى العابد هو توحيد عبادة.
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين،
هما المحبة والتعظيم، الناتج عنهما:
( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا)(الأنبياء: من الآية90) ، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف.
ولهذا كانت العبادة أوامر ونواهي:
أوامر مبنية على الرغبة وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم والرهبة من هذا العظيم.
فإذا أحببت الله عز وجل، رغبت فيما عنده ورغبت في الوصول إليه، وطلبت الطريق الموصل إليه، وقمت بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمته خفت منه، كلما هممت بمعصية، استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرت،
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء)(يوسف: من الآية24) ، فهذه من نعمة الله عليك، إذا هممت بمعصية، وجدت الله أمامك، فهبت وخفت وتباعدت عن المعصية، لأنك تعبد الله رغبة ورهبة.
فما معنى العبادة ؟
العبادة: تطلق على أمرين، على الفعل والمفعول.
تطلق على الفعل الذي هو التعبد، فيقال:
عبد الرجل ربه عبادة وتعبداً وإطلاقها على التعبد من باب إطلاق اسم المصدر على المصدر، ونعرفها باعتبار إطلاقها على الفعل بأنها: "التذلل لله عز وجل حباً وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه". وكل من ذل لله عز بالله ، ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه)(المنافقون: من الآية8) .
وتطلق على المفعول، أي:
المتعبد به وهي بهذا المعنى تعَّرف بما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة[3].
هذا الشيء الذي تعبدنا الله به يجب توحيد الله به، لا يصرف لغيره، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والدعاء والنذر والخشية والتوكل.. إلى غير ذلك من العبادات.
فإن قلت: ما هو الدليل على أن الله منفرد بالألوهية؟
فالجواب: هناك أدلة كثيرة، منها:
قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) .
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)(النحل: من الآية36) .
وأيضاً قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ)(آل عمران: من الآية18) ،
لو لم يكن من فضل العلم إلا هذه المنقبة، حيث إن الله ما أخبر أن أحداً شهد بألوهيته إلا أولو العلم، نسأل الله أن يجعلنا منهم : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) ، بالعدل، ثم قرر هذه الشهادة بقوله: (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فهذا دليل واضح على أنه لا إله إلا الله عز وجل، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنتم تشهدون أن لا إله إلا الله . هذه الشهادة الحق .
إذا قال قائل:
كيف تقرونها مع أن الله تعالى يثبت آلهة غيره، مثل قوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر)(القصص: من الآية88) ، ومثل قوله: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِه)(المؤمنون: من الآية117) ، ومثل قوله
فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْء)(هود: من الآية101) ، ومثل قول إبراهيم: (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات:86) .. إلى غير ذلك من الآيات، كيف تجمع بين هذا وبين الشهادة بأن لا إله إلا الله ؟
فالجواب: أن ألوهية ما سوى الله ألوهية باطلة، مجرد تسمية، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان)(لنجم: من الآية23) ، فألوهيتها باطلة، وهي وإن عبدت وتأله إليها من ضل، فإنها ليست أهلا لأن تعبد، فهي آلهة معبودة، لكنها آلهة باطلة،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)(لقمان: من الآية30) .
وهذا النوعان من أنواع التوحيد لا يجحدهما ولا ينكرهما أحد من أهل القبلة المنتسبين إلى الإسلام، لأن الله تعالى موحد بالربوبية والألوهية، لكن حصل فيما بعد أن من الناس من ادعى ألوهية أحد من البشر، كغلاة الرافضة مثلاً، الذين يقولون:
إن علياً إليه، كما صنع زعيمهم عبد الله بن سبأ، حيث جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: أنت الله حقاً لكن عبد الله بن سبأ أصله يهودي دخل في دين الإسلام بدعوى التشيع لآل البيت، ليفسد على أهل الإسلام دينهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال:
"إن هذا صنع كما صنع بولص حين دخل في دين النصارى ليفسد دين النصارى"[4] . هذا الرجل عبد الله بن سبأ قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الله حقاً وعلي ابن أبي طالب لا يرضى أن أحداً ينزله فوق منزلته هو حتى إنه رضي الله عنه من إنصافه وعدله وعلمه وخبرته كان يقول على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر[5] ، يعلن ذلك في الخطبة، وقد تواتر النقل عنه بذلك رضي الله عنه، والذي يقول هكذا ويقر بالفضل لأهله من البشر كيف يرضي أن يقول له قائل: إنك أنت الله؟ ولهذا عزرهم أبشع تعزير، أمر بالأخاديد فخدت، ثم ملئت حطباً وأوقدت، ثم أتى بهؤلاء فقذفهم في النار وأحرقهم بها، لأن فريتهم عظيمة ـ والعياذ بالله ـ وليست هينة، ويقال: إن عبد الله بن سبأ هرب ولم يمسكوه المهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحرق السبئية بالنار، لأنهم ادعوا فيه الألوهية.
فنقول: كل من كان من أهل القبلة لا ينكرون هذين النوعين من التوحيد: وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وإن كان يوجد في بعض أهل البدع من يُؤَلِهُ أحداً من البشر.
توحيد الأسماء والصفات :
وهو ((إفراد الله - سبحانه وتعالى- بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل)) .
فلا بد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييف، ولا تمثيل،
وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون للإسلام على أوجه شتى :
منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم متوسط، ومنهم قريب من أهل السنة . ولكن طريقة السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل .
مثال ذلك:
أن الله - سبحانه وتعالى- سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بأن الحي اسم من أسماء الله تعالى ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء .
وسمى الله نفسه بالسميع فعلينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله –سبحانه وتعالى- وبالسمع صفة من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع، أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيء محال وعلى هذا فقس .
مثال آخر:
قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة: الآية64).
فهنا قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: الآية64) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط، وهو العطاء الواسع، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم، ولكن يجب علينا أن لا نحاول بقلوبنا تصوراً، ولا بألسنتنا نطقاً أن نكيف تلك اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين، لأن الله –سبحانه وتعالى- يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11) ويقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33). ويقول عز وجل: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36).
فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌُ).(الشورى: الآية11) وقد عصى الله تعالى في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)(النحل: الآية74) ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أياً كانت هذه الكيفية، فقد قال على الله ما لا يعلم، وقفى ما ليس له به علم .
ونضرب مثالاً ثانياً في الصفات:
وهو استواء الله على عرشه فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه كلها بلفظ (استوى) وبلفظ (على العرش) وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) .(طـه:5) .وأمثالها من الآيات .
أنه علا على عرشه علواً خاصاً، غير العلو العام على جميع الأكوان، وهذا العلو ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به –عز وجل- لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام ،ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)(الزخرف: من الآية12) .(لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13). (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) .(الزخرف:14) . فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيء .
وقد أخطأ خطأ عظيماً من قال إن معنى استوى على العرش استولى على العرش، لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالف لما أجمع عليه الصحابة –رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان، ومستلزم للوازم باطلة لا يمكن لمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة لله –عز وجل- والقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك كما قال الله –سبحانه وتعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) ومقتضى صيغة ((استوى على كذا)) في اللغة العربية العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ .
فمعنى استوى على العرش أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسر الاستواء بالاستيلاء فقد حرف الكلم عن مواضعه، حيث نفى المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو وأثبت معنى آخر باطلاً .
ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان مجمعون على هذا المعنى إذ لم يأت عنهم حرف واحد في تفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل عليه .
من هنا كتب توحيد الأسماء والصفاتالحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعدُ:
فهذا شرح موجز على كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، كتبته على الطريقة المدرسية الحديثة، ليكون أقرب إلى أفهام المبتدئين. وأرجو الله أن ينفع به، ويكون إسهاماً في نشر العلم وتصحيح العقيدة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان.
نبذة موجزة عن حياة المؤلف
نسبه:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من آل مشرفٍ من قبيلة بني تميم المشهورة، وإمام الدعوة السلفية في نجد وغيرها.
نشأته وعلمه:
ولد في بلدة العيينة قرب مدينة الرياض سنة 1115هـ، وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وتتلمذ على والده قاضي العيينة في وقته، وعلى غيره من مشاهير علماء نجد، والمدينة، والأحساء، والبصرة، فأدرك علماً غزيراً أهَّله للقيام بدعوته المباركة، في وقت انتشرت فيه البدع والخرافات، والتبرك بالقبور والأشجار والأحجار، فقام –رحمه الله- بالدعوة إلى تصحيح العقيدة وإخلاص العبادة لله وحده، وألَّف عدة كتب من أشهرها هذا الكتاب: (كتاب التوحيد)، فقد لقي قبولاً عظيماً لدى العلماء والمتعلمين، واعتنوا به دراسةً وشرحاً؛ فهو كتابٌ بديع الوضع عظيم الفائدة، نفع الله به خلقاً كثيراً.
وقد بقي الشيخ طيلة حياته معلماً؛ وداعياً إلى الله تعالى، آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، إلى أن توفي في الدرعية قرب مدينة الرياض سنة 1206هـ، وقد تخرج على يده عدد كبير من العلماء وأئمة الدعوة. أجزل الله له الأجر والثواب، وجعل الجنة مثواه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتاب التوحيدوقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
موضوع هذا الكتاب: بيان التوحيد الذي أوجبه الله على عباده، وخلَقهم لأجله وبيان ما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب أو المستحب من الشرك الأصغر والبدع.
ومعنى كتاب: مصدر كَتَبَ بمعنى جمع، والكتابة بالقلم جمع الحروف والكلمات.
والتوحيد: مصدرُ وحّده، أي جعله واحداً –والمراد به هنا: إفراد الله بالعبادة.
وخلقت: الخلق هو إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء.
ليعبدون: العبادة في اللغة: التذلّل والخضوع. وشرعاً: اسمٌ جامعٌ لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
والمعنى الإجمالي للآية:
أن الله –تعالى- أخبر أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فهي بيانٌ للحكمة في خلقهم، فلم يرد منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانة لهم بالرزق والإطعام، وإنما أراد المصلحة لهم.
ومناسبة الآية للباب: أنها تدل على وجوب التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة. لأنه ما خلق الجن والإنس إلا لأجل ذلك.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب إفراد الله بالعبادة على جميع الثّقلين؛ الجن والإنس.
2- بيان الحكمة من خلق الجن والإنس.
3- أن الخالق هو الذي يستحق العبادة دون غيره ممن لا يخلُق، ففي هذا ردٌّ على عُبّاد الأصنام.
4- بيان غنى الله سبحانه وتعالى عن خلقه وحاجة الخلق إليه، لأنه هو الخالق، وهم مخلوقون.
5- إثبات الحكمة في أفعال الله سبحانه.
( يتبع كتاب التوحيد 2 ... {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].كتاب التوحيد 2 ... {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
بعثْنا: أرسلنا.
كل أمّة: كل طائفةٍ وقرنٍ وجيلٍ من الناس.
رسولاً: الرسول: من أُوحي إليه بشرعٍ، وأُمر بتبليغه.
اعبدوا الله: أفردوه بالعبادة.
واجتنبوا: اتركوا، وفارقوا.
الطاغوت: مشتقٌّ من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فكل ما عُبد من دون الله – وهو راض بالعبادة - فهو طاغوت.
المعنى الإجمالي للآية:
أن الله سبحانه يخبر أنه أرسل في كل طائفة وقرن من الناس رسولاً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، فلم يزل يُرسل الرسل إلى الناس بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في عهد نوح إلى أن ختمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
مناسبة الآية للباب:
أن الدعوة إلى التوحيد والنهيَ عن الشرك هي مهمة جميع الرسل وأتباعهم.
ما يُستفاد من الآية:
1- أن الحكمة من إرسال الرسل هي الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك.
2- أن دين الأنبياء واحد، وهو إخلاص العبادة لله وترك الشرك وإن اختلفت شرائعهم.
3- أن الرسالة عمّت كل الأمم، وقامت الحجة على كل العباد.
4- عظم شأن التوحيد، وأنه واجبٌ على جميع الأمم.
5- في الآية ما في (لا إله إلا الله) من النفي والإثبات، فدلت على أنه لا يستقيم التوحيد إلا بهما جميعاً، وأن النفي المحض ليس بتوحيد، والإثبات المحض ليس بتوحيد.
يتبع كتاب التوحيد 3 .. {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] الآية(1)
.
قضى: أمر ووصّى, والمراد بالقضاء هنا القضاء الشرعيّ الدينيّ، لا القضاء القدريّ الكونيّ.
ربك: الرب هو المالك المتصرف، الذي ربى جميع العالمين بنعمته.
ألا تعبدوا إلا إياه: أي أن تعبدوه ولا تعبدوا غيره.
وبالوالدين إحساناً: أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً، كما قضى أن تعبدوه، ولا تعبدوا غيره.
المعنى الإجمالي للآية:
الإخبار أن الله –سبحانه وتعالى- أمر ووصّى على ألسُن رسله أن يُعبد وحده دون ما سواه، وأن يحسن الولد إلى والديه إحساناً بالقول والفعل، ولا يسيء إليهما؛ لأنهما اللذان قاما بتربيته في حال صِغره وضعفه، حتى قوِي واشتد.
مناسبة الآية للباب:
أن التوحيد هو آكد الحقوق وأوجب الواجبات؛ لأن الله بدأ به في الآية، ولا يبتدأ إلا بالأهم فالأهم.
... ما يستفاد من الآية:
1- أن التوحيد هو أول ما أمر الله به من الواجبات، وهو أول الحقوق الواجبة على العبد.
2- ما في كلمة (لا إله إلا الله) من النفي والإثبات، ففيها دليلٌ على أن التوحيد لا يقوم إلا على النفي والإثبات: (نفي العبادة عما سوى الله وإثباتها لله)، كما سبق.
3- عظمة حق الوالدين حيث عطف حقهما على حقه، وجاء في المرتبة الثانية.
4- وجوب الإحسان إلى الوالدين بجميع أنواع الإحسان، لأنه لم يخص نوعاً دون نوع.
5- تحريم عقوق الوالدين.
.......................
( 1 )
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ثلاثاً. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وجلس وكان متكئاً، فقال: "ألا وقول الزور" قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
أخرجه البخاري برقم (2654) ومسلم برقم (87).
يتبع كتاب التوحيد 4 ... : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا...}
وقوله: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا...} الآية [النساء: 36].
لا تشركوا: اتركوا الشرك، وهو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.
شيئاً: نكرةٌ في سياق النهي، فتعم الشرك: كبيرَه وصغيره.
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله –سبحانه- عباده بعبادته وحده لا شريك له، وينهاهم عن الشرك، ولم يخصّ نوعاً من أنواع العبادة، لا دعاءً ولا صلاةً ولا غيرهما، ليعمّ الأمر جميع أنواع العبادة، ولم يخص نوعاً من أنواع الشرك، ليعم النهي جميع أنواع الشرك.
مناسبة الآية للباب:
أنها ابتدأت الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، ففيها تفسير التوحيد بأنه عبادة الله وحده وترك الشرك.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب إفراد الله بالعبادة، لأن الله أمر بذلك أولاً، فهو آكد الواجبات.
2- تحريم الشرك، لأن الله نهى عنه، فهو أشد المحرمات.
3- أن اجتناب الشرك شرطٌ في صحة العبادة، لأن الله قرن الأمر بالعبادة بالنهي عن الشرك.
4- أن الشرك حرامٌ قليله وكثيره، كبيره وصغيره، لأن كلمة شيئاً نكرةٌ في سياق النهي، فتعم كل ذلك.
5- أنه لا يجوز أن يشرك مع الله أحدٌ في عبادته، لا ملكٌ ولا نبيٌ ولا صالحٌ من الأولياء ولا صنمٌ؛ لأن كلمة (شيئاً) عامة.
وقوله تعالى ... {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} له: الآيات [الأنعام: 151، 153]
(1).
تعالوا: هلمّوا وأقبلوا.
أتل: أقصص عليكم وأُخبركم.
حرّم: الحرام الممنوع منه، وهو ما يُعاقب فاعله ويثاب تاركه.
الآيات: أي إلى آخر الآيات الثلاث من سورة الأنعام. من قوله: {قُلْ تَعَالَوْا} إلى قوله في ختام الآية الثالثة: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله نبيه أن يقول لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله، وحرّموا ما رزقهم الله، وقتلوا أولادهم تقرُّباً للأصنام، فعلوا ذلك بآرائهم وتسويل الشيطان لهم: هلمّوا أقصّ عليكم ما حرّم خالقكم ومالككم تحريماً حقاً لا تخرّصاً وظناً، بل بوحي منه، وأمرٍ من عنده، وذلك فيما وصاكم به في هذه الوصايا العشر، التي هي:(1/5)
أولاً: وصاكم ألا تشركوا به شيئاً، وهذا نهيٌ عن الشرك عموماً، فشمل كل مشرك به من أنواع المعبودات من دون الله، وكل مشرك فيه من أنواع العبادة.
ثانياً: ووصاكم أن تحسنوا بالوالدين إحساناً، ببرهما وحفظهما وصيانتهما وطاعتهما في غير معصية الله، وترك الترفّع عليهما.
ثالثاً: وصاكم أن لا تقتلوا أولادكم من إملاق، أي لا تئدوا بناتكم، ولا تقتلوا أبناءكم خشية الفقر، فإن رازقكم ورازقهم، فلستم ترزقونهم، بل ولا ترزقون أنفسكم.
رابعاً: ووصاكم أن لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أي المعاصي الظاهرة والخفية.
خامساً: ووصاكم أن لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، وهي النفس المؤمنة والمعاهدة إلا بالحق، الذي يبيح قتلها من قصاص أو زناً بعد إحصان أو ردة بعد إسلام.
سادساً: ووصاكم أن لا تقربوا مال اليتيم –وهو الطفل الذي مات أبوه- إلا بالتي هي أحسن من تصريفه بما يحفظه، وينَمِّيه له حتى تدفعوه إليه حين يبلغ أشدّه، أي: الرشد وزوال السّفَه مع البلوغ.
سابعاً: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي: أقيموا العدل في الأخذ والإعطاء حسب استطاعتكم.
ثامناً: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.
أمر بالعدل في القول على القريب والبعيد بعد الأمر بالعدل في الفعل.
تاسعاً: {وَبِعَهْدِ اللّهِ} أي: وصيته التي وصاكم بها {أَوْفُواْ}،
أي انقادوا لذلك بأن تطيعوه فيما أمر به ونهى عنه، وتعملوا بكتابه وسنة نبيه.
عاشراً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
أي: الذي أوصيتكم به في هاتين الآيتين من ترك المنهيات، وأعظمها الشرك. وفعل الواجبات، وأعظمها التوحيد، هو الصراط المستقيم.
{فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ} البدع والشبهات.
{فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. تميل وتشتت بكم عن دينه.
مناسبة الآيات للباب:
أن الله –سبحانه ذكر فيها جُمَلاً من المحرّمات ابتدأها بالنهي عن الشرك، والنهي عنه يستدعي الأمر بالتوحيد بالاقتضاء، فدل ذلك على أن التوحيد أوجب الواجبات، وأن الشرك أعظمُ المحرمات.
ما يستفاد من الآيات:
1- أن الشرك أعظم المحرمات، وأن التوحيد أوجب الواجبات.
2- عظم حق الوالدين.
3- تحريم قتل النفس بغير حق، لا سيما إذا كان المقتول من ذوي القربى.
4- تحريم أكل مال اليتيم، ومشروعية العمل على إصلاحه.
5- وجوب العدل في الأقوال والأفعال على القريب والبعيد.
6- وجوب الوفاء بالعهد.
7- وجوب اتباع دين الإسلام وترك ما عداه.
8- أن التحليل والتحريم حقٌّ لله.
.................
(1) فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من يبايعني على هؤلاء الآيات" ثم قرأ: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حتى ختم الآيات الثلاث "فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص شيئاً أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا غفر له".
أخرجه الحاكم في المستدرك (2/318) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأصل الحديث متفق عليه بدون ذكر الآيات، فقد أخرجه البخاري برقم (8) ومسلم برقم (1709).
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد - صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتَمُه فليقرأ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}(1)(2) الآية [الأنعام: 151- 153].
ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذَلي، صحابي جليل من السابقين الأولين، من كبار علماء الصحابة، لازم النبي –صلى الله عليه وسلم-، وتوفي سنة 32هـ.
وصية: هي الأمر المؤكد المقرر.
خاتمه: الخاتم بفتح التاء وكسرها: حلقةٌ ذات فص من غيرها، وختمتُ على الكتاب بمعنى طبَعت.
المعنى الإجمالي للأثر:
يذكر ابن مسعود –رضي الله عنه-: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لو وصى لم يوص إلا بما وصى به الله تعالى، فإن الله قد وصى بما في هذه الآيات، لأنه سبحانه قد ختم كل آية منها بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ}، وإنما قال ابن مسعود ذلك لمَّا قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين أن يكتب لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصيته، فذكّرهم ابن مسعود –رضي الله عنه- أن عندهم من القرآن ما يكفيهم، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- لو وصّى لم يوص إلا بما في كتاب الله.
مناسبة هذا الأثر للباب:
بيان أن ما ذُكر في هذه الآيات كما هو وصية الله فهو وصية رسوله –صلى الله عليه وسلم-، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يوصي بما أوصى الله به.
ما يستفاد من قول ابن مسعود:
1- أهمية هذه الوصايا العشر.
2- أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يوصي بما أوصى به الله، فكل وصية لله فهي وصية لرسوله –صلى الله عليه وسلم-.
3- عمق علم الصحابة، ودقة فهمهم لكتاب الله.
.....................
(1) أخرجه الترمذي برقم (3080) والطبراني في معجمه الأوسط برقم (1208) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
(2) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خطاً، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً، ثم قال: "هذا سبيل الله، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
أخرجه أحمد في المسند (1/435، 465) وابن حبان في صحيحه (1/105) برقم (6، 7) والحاكم (2/318)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/22): رواه أحمد والبزار، وفيه عاصم ابن بهدلة وهو ثقة، وفيه ضعف.
كتاب التوحيد .. 7 .. حديث معاذ بن جبل
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم- على حمار فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجاه في الصحيحين
(1)
.
معاذ: هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن كعب بن عمرو الخزرجي الأنصاري صحابيٌّ جليل مشهور من أعيان الصحابة، وكان متبحراً في العلم والأحكام والقرآن، شهد غزوة بدر وما بعدها واستخلفه النبي –صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم ثم بعثه إلى اليمن قاضياً ومعلماً مات بالشام سنة 18هـ وله 38 عاماً.
رديف: الرديف هو الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة.
أتدري؟: هل تعرف؟
حق الله: ما يستحقه ويجعله متحتماً على العباد.
حق العباد على الله: ما كتبه على نفسه تفضلاً منه وإحساناً.
أبشر الناس: أخبرهم بذلك ليُسروا به.
يتّكلوا: يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة.
المعنى الإجمالي للحديث:
أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أرد أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله، فألقى ذلك بصيغة الاستفهام، ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا، فمنعه النبي –صلى الله عليه وسلم- من ذلك خوفاً من أن يعتمد الناس على ذلك فيقلِّلوا من الأعمال الصالحة.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه تفسير التوحيد بأنه عبادة الله وحده لا شريك له.
ما يستفاد من الحديث:
1- تواضع النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث ركب الحمار وأردف عليه. خلافَ ما عليه أهل الكبر.
2- جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك.
3- التعليم بطريقة السؤال والجواب.
4- أن من سُئل عما لا يعلم فينبغي له أن يقول: الله أعلم.
5- معرفة حق الله على العباد وهو أن يعبدوه وحده لا شريك له.
6- أن من لم يتجنب الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله حقيقة ولو عبده في الصورة.
7- فضل التوحيد وفضل من تمسك به.
8- تفسير التوحيد وأنه عبادة الله وحده وترك الشرك.
9- استحباب بشارة المسلم بما يسره.
10- جواز كتمان العلم للمصلحة.
11- تأدب المتعلم مع معلمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري برقم (2856) ومسلم برقم (30).
وفي رواية: "وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً" عند البخاري برقم (128) ومسلم رقم (32).
وجاء في فتح المجيد (ص289) قال الوزير أبو المظفر: لم يكن يكتمها إلا عن جاهل يحمله جهله على سوء الأدب بترك الخدمة في الطاعة
يتبع باب فضل التوحيد ومايكفر عن الذنوب